أخاف الكتابة , أخافها جداً , أخاف أن أبوح بشيء لا أريد البوح به , أخاف أن أصارح نفسي بما لا أريد مصارحتها به , أخاف أن يوصلني الخيال إلى محطة اختلاق أحداث لم تحدث, أخاف أن أبالغ في بعض الأشياء , وأنقص في حق الأشياء الأخرى , أخاف أن أخط حماقات تجعل الناس يظنون أنني جُننت .
خوفي منها , يشبه خوف شخص يعبر طريق مليء بالسيارات المسرعة , مثل خوف العاصي من الموت ,ومثل خوف المؤمن من ارتكاب الذنب !
***
إن الكتابة كائن حي , لا تستغربوا من هذه العبارة , فهذا ما أراه واقعاً !
لو لم تكن كائن حي , لما أخافتي إلى هذا الحد , لو لم تكن كائن حي لما استطاعت أن تُبلور كل أولائك الكُتاب والأُدباء تحت مُسماها , و لما كُنا نستخدمها باستمرار ولا يمكننا الاستغناء عنها ما حيينا!
إن الكتابة تقتسم جزئاً من أنفسنا وتكون به نفسها , إلى أن تصبح كائن يتنفس معنا ويتحدث معنا , بل ويجلس معنا آكلاً شارباً.
إنها شيء عظيم , ومخيف .
أنها شيء رائع , وساذج .
انها الجنون كله , والعقل كله .
إنها لغةٌ صامتة تتحدث .
إنها تحمل جميع التناقضات , إنها متناقضة , إنها متناقضة جداً !!
إنها تتآمر علينا , لتخرج بكل أسرارنا وحماقاتنا و تناقضاتنا ,كما يتآمر النمل على حُبيبات السكر .
***
إلى كل تلك الأحرف المتبلورة :
إني أستخدمكِ الآن , وأتحدث عنكِ .
إني أمتدحكِ , ثم أشتمكِ بكل وقاحة .
لأنكِ علمتِني كيف أكون متناقضة , وعلمتِني أيضاً كيف أكون منطقية ولا أميل الى التناقض أبداً .
علمتِني أن أكون مجنونة باختيار بكلماتي , وعاقلة بتركيب أحرفي وهمزاتي .
وأهم ما اكتشفته فيكِ ,أنكِ تكتبيني مثلما أكتبكِ تماماً , وتقرئيني مثلما أقرأكِ تماماً , ولكنكِ لا تسمعيني ولا أسمعكِ , فلكل واحد منا طريقة سمعه الخاصة .
آآه ,, ليتكِ تسمعين , ليتكِ تدركين !